خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 3 من رجب 1446 هـ - الموافق 3 / 1 / 2025م
إِفْشَاءُ السَّلَامِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْأَمِينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
لَقَدْ حَرَصَتِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى كُلِّ مَا يُؤَلِّفُ الْقُلُوبَ وَيَجْمَعُهَا، وَحَذَّرَتْ مِنْ كُلِّ مَا يُنَفِّرُهَا وَيُفَرِّقُهَا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ مَتَى مَا سَادَتْهُ الْأُلْفَةُ وَالْوِئَامُ وَالْوِدَادُ وَالِانْسِجَامُ قَوِيَتْ أَرْكَانُهُ، وَاشْتَدَّ بُنْيَانُهُ، وَاكْتَمَلَ نِظَامُهُ، وَلِذَا كَانَ مِنْ أَوَائِلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي قَامَ بِهَا نَبِيُّنَا الْمُخْتَارُ: الْمُؤَاخَاةُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ، وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ، مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا، مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ، وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآدَابِ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، وَسَعَى فِي نَشْرِهَا بَيْنَ الْأَنَامِ: بَثَّ الْوِئَامِ وَإِفْشَاءَ السَّلَامِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].
وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ يَكُونُ : فِي إِظْهَارِهِ وَإِعْلَانِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ، وَأَنْ يَحْرِصَ الْمُسْلِمُ عَلَى رَدِّهِ؛ فَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ، وَرَدُّهُ وَاجِبٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ، إِذَا رَدَّ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا[ [النساء:86]، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (فَرُدُّوا عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا سَلَّمَ، أَوْ رُدُّوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا سَلَّمَ، فَالزِّيَادَةُ مَنْدُوبَةٌ، وَالْمُمَاثَلَةُ مَفْرُوضَةٌ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ السَّلَامَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّلَامَةِ، فَأَنْتَ تَدْعُو لِصَاحِبِكَ إِذَا سَلَّمْتَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَنَّةِ: دَارُ السَّلَامِ ؛ لِأَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمُنَغِّصَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ [ [يونس:25] وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى: السَّلَامُ، وَهُوَ قَدْ وَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَـكُمْ»، وَمِنْ مَعَانِي هَذَا الِاسْمِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَالِمٌ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَمَنْقَصَةٍ وَعَيْبٍ وَمِثْلِيَّةٍ، وَلِكَمَالِهِ جَلَّ وَعَلَا: يُخَلِّصُ وَيُسَلِّمُ عِبَادَهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ الْمَرْهُوبِ، وَيَجْلِبُ إِلَيْهِمُ الْمَرْغُوبَ الْمَحْبُوبَ.
أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:
كُلَّمَا زَادَ الْمُسْلِمُ فِي سَلَامِهِ، وَحَرَصَ عَلَى رَدِّهِ وَإِكْمَالِهِ وَإِتْمَامِهِ: حَظِيَ بِالْأَجْرِ وَالثَّوَابِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: «عَشْرُ حَسَنَاتٍ»، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ حَسَنَةً»، فَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ حَسَنَةً»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَوْشَكَ مَا نَسِيَ صَاحِبُكُمْ، إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَجْلِسَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، مَا الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَيُشْرَعُ لَكَ إِذَا دَخَلْتَ بَيْتًا أَوْ مَجْلِسًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنْ تَقُولَ : السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَة[ [النور:61] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : (إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ غَيْرَ الْمَسْكُونِ فَلْيَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ]. وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ: أَنْ يُرَاعِيَ الْأَدَبَ فِي سَلَامِهِ، فَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُفْزِعُ مَنْ حَوْلَهُ، بَلْ يُسَلِّمُ سَلَامًا مَسْمُوعًا مِنْ دُونِ أَذِيَّةٍ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ: أَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ»، وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ: أَنَّهُ إِذَا مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]. وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ-: أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَنْ تَعْرِفُهُ دُونَ غَيْرِهِ؛ فَالسَّلَامُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَعْظَمَ لِلْمُتَّقِينَ الْعَامِلِينَ أُجُورَهُمْ، وَشَرَحَ بِالْهُدَى وَالْخَيْرَاتِ صُدُورَهُمْ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَفَّقَ عِبَادَهُ لِلطَّاعَاتِ وَأَعَانَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ مَنْ عَلَّمَ أَحْكَامَ الدِّينِ وَأَبَانَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([الأحزاب:70-71].
أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:
إِنَّ السَّلَامَ سَبَبٌ لِشُيُوعِ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالْعِشْرَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].
قَدْ يَمْكُثُ النَّاسُ دَهْرًا لَيْسَ بَيْنَهُمْ وِدٌّ فَيَزْرَعُهُ التَّسْلِيمُ وَاللُّطْفُ
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ:
إِنَّ إِفْشَاءَ السَّلَامِ لَهُ مَنْزِلَةٌ فِي الدِّينِ سَنِيَّةٌ، وَمَرْتَبَةٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلِيَّةٌ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ].
وَلِذَا فَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ فِي الدُّعَاءِ، وَأَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ» [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
بَلْ إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ، فَهَنِيئًا لِمَنْ أَفْشَاهُ بَيْنَ الْأَنَامِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ» [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (ثَلَاثٌ يُصَفِّينَ عَلَيْكَ مِنْ وُدِّ أَخِيكَ: أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيتَهُ، وَتُوَسِّعَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَدْعُوَهُ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ إِلَيْهِ).
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْيَهُودِ الْغَاصِبِينَ، وَانْتَقِمْ مِنَ الصَّهَايِنَةِ الْمُجْرِمِينَ، وَرُدَّ الْأَقْصَى الْجَرِيحَ إِلَى حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لِأَهْلِنَا فِي فِلَسْطِينَ نَاصِرًا وَمُعِينًا، احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَرُدَّ كَيْدَ أَعْدَائِهِمْ فِي نُحُورِهِمْ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِـيَّ عَهْدِهِ، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَصْلِحْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ وَالرَّعِيَّةَ، وَاهْدِهِمَا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة